فصل: تفسير الآيات (7- 17):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (7- 17):

{لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17)}
{لا يسمن ولا يغني من جوع} يعني إن هذا الطعام لا تقدر البهائم على أكله فكيف يقدر الإنسان على أكله، فهو إذاً لا يسمن ولا يغني من جوع.
فإن قلت قد ذكر الله تعالى في هذه الآية أنّه لا طعام لهم إلا من ضريع، وذكر في موضع آخر أنه لا طعام لهم إلا من غسلين، فكيف الجمع بينهما؟!
قلت إن النار دركات فعلى قدر الذنوب تقع العقوبات، فمنهم من طعامه الزقوم لا غير، ومنهم من طعامه الضريع، ومنهم من طعامه الغسلين.
ثم وصف أهل الجنة فقال تعالى: {وجوه يومئذ ناعمة} أي متنعّمة ذات بهجة وحسن، ونعمة، وكرامة {لسعيها راضية} أي لسعيها في الدنيا راضية في الآخرة حيث أعطيت الجنة بعملها. {في جنة عالية} قيل هو من العلو الذي هو الشرف، وقيل من العلو في المكان، وذلك لأن الجنة درجات بعضها أعلى من بعض، كل درجة كما بين السماء والأرض. {لا تسمع فيها لاغية} أي ليس فيها لغو ولا باطل. {فيها عين جارية} على وجه الأرض في غير أخدود، وقيل تجري حيث أرادوا من منازلهم، وقصورهم. {فيها سرر مرفوعة} قال ابن عباس: ألواحها من ذهب، مكللة بالزبرجد، والياقوت، مرتفعة ما لم يجئ أهلها، فإذا أراد أهلها الجلوس عليها تواضعت لهم حتى يجلسوا عليها، ثم ترتفع إلى مواضعها {وأكواب} يعني الكيزان التي لا عرى لها. {موضوعة} يعني عندهم بين أيديهم، وقيل موضوعة على حافات العين الجارية كلما أرادوا الشرب منها وجدوها مملوءة. {ونمارق مصفوفة} يعني وسائد ومرافق مصفوفة، بعضها جنب بعض أينما أراد أن يجلس وليُّ الله جلس على واحدة، واستند إلى الأخرى. {وزرابي} يعني البسط العريضة قال ابن عباس: هي الطنافس التي لها خمل، واحدتها زربية {مبثوثة} أي مبسوطة، وقيل متفرقة في المجالس.
قوله عزّ وجلّ: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت} قال أهل التفسير لما نعت الله عزّ وجلّ ما في هذه السورة مما في الجنة عجب من ذلك أهل الكفر وكذبوه، فذكرهم الله صنعه، فقال: أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإنما بدأ بالإبل لأنها من أنفس أموال العرب، ولهم فيها منافع كثيرة والمعنى إن الذي صنع لهم هذا في الدنيا هو الذي صنع لأهل الجنة ما صنع؛ وتكلمت علماء التفسير في وجه تخصيص الإبل بالذكر من بين سائر الحيوانات، فقال: مقاتل لأن العرب لم يروا بهيمة قط أعظم منها، ولم يشاهد الفيل إلا النادر منهم، وقال الكلبي لأنها تنهض بحملها وقد كانت باركة، وقال قتادة: لما ذكر الله تعالى ارتفاع سرر الجنة وفرشها قالوا كيف نصعدها فأنزل الله تعالى هذه الآية.

.تفسير الآيات (18- 26):

{وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)}
{وإلى السماء كيف رفعت} يعني فوق الأرض بغير عمد، ولا ينالها شيء. {وإلى الجبال كيف نصبت} أي على الأرض نصباً ثابتاً راسخاً لا يزول. {وإلى الأرض كيف سطحت} أي بسطت، ومهدت بحيث يستقر على ظهرها كل شيء. قال ابن عباس: المعنى هل يقدر أحد أن يخلق مثل الإبل، أو يرفع مثل السماء أو ينصب مثل الجبال، أو يسطح مثل الأرض غير الله القادر على كل شيء. ولما ذكر الله تعالى دلائل التوحيد ولم يعتبروا ولم يتفكروا فيها خاطب نبيه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: {فذكر إنما أنت مذكر} أي فعظ إنما أنت واعظ {لست عليهم بمسيطر} أي بمسلط فتكرههم على الإيمان، وهذه الآية منسوخة نسختها آية القتال. {إلا من تولى وكفر} استثناء منقطع عما قبله معناه لكن من تولى وكفر بعد التذكير {فيعذبه الله العذاب الأكبر} وهو أن يدخله النار، وإنما قال: الأكبر لأنهم عذبوا في الدنيا بأنواع من العذاب مثل الجوع، والقحط والقتل، والأسر، فكانت النار أكبر من هذا كله. {إن إلينا إيابهم} أي رجوعهم بعد الموت. {ثم إن علينا حسابهم} يعني جزاءهم بعد الرجوع إلينا، والله أعلم.

.سورة الفجر:

.تفسير الآيات (1- 3):

{وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3)}
قوله عزّ وجلّ: {والفجر} أقسم الله عزّ وجلّ بالفجر وما بعده لشرفها وما فيها من الفوائد الدينية وهي أنها دلائل باهرة، وبراهين قاطعة، على التوحيد، وفيها من الفوائد الدنيوية أنها تبعث على الشكر.
واختلفوا في معاني هذه الألفاظ، فروي عن ابن عباس، أنه قال: الفجر هو انفجار الصبح في كل يوم، أقسم الله تعالى به لما يحصل فيه من انقضاء الليل، وظهور الضوء، وانتشار الناس، وسائر الحيوانات في طلب الأرزاق، وذلك يشبه نشر الموتى من قبورهم للبعث. وعن ابن عباس أيضاً أنه صلاة الفجر، والمعنى أنه أقسم بصلاة الفجر لأنها مفتتح النهار، ولأنها مشهودة يشهدها ملائكة الليل، وملائكة النهار، وقيل إنه فجر معين.
واختلفوا فيه، فقيل هو فجر أول يوم من المحرم، لأن منه تنفجر السنة وقيل هو فجر ذي الحجة، لأنه قرن به الليالي العشر، وقيل هو فجر يوم النحر، لأن فيه أكثر مناسك الحج، وفيه القربات. {وليال عشر} قيل إنما نكرها لما فيها من الفضل، والشرف الذي لا يحصل في غيرها. روي عن ابن عباس أنها العشر الأول من ذي الحجة لأنها أيام الاشتغال بأعمال الحج، وأخرج الترمذي عن ابن عباس أن رسول الله قال: «ما من أيام العمل فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر»، وذكر الحديث، وروي عن ابن عباس قال: هي العشر الأواخر من رمضان، لأن فيها ليلة القدر، ولأن رسول الله كان إذا دخل العشر الأخير من رمضان أحيا ليله، وشد مئزره، وأيقظ أهله، يعني للعبادة؛ وقيل هي العشر الأول من المحرم، وهو تنبيه على شرفه، ولأن فيه يوم عاشوراء. {والشفع والوتر} قيل الشفع هو الخلق، والوتر هو الله تعالى يروى ذلك عن أبي سعيد الخدري، وقيل الشفع هو الخلق كالإيمان والكفر، والهدى، والضلالة، والسعادة، والشقاوة، والليل، والنهار، والأرض، والسماء، والشمس، والقمر، والبر، والبحر، والنور، والظلمة، والجن، والإنس. والوتر هو الله تعالى، وقيل الخلق كله فيه شفع وفيه وتر. وقيل هما الصلوات منها شفع ومنها وتر عن عمران بن حصين رضي الله عنه «أن رسول الله سئل عن الشفع والوتر قال: هي الصلاة بعضها شفع وبعضها وتر» أخرجه الترمذي. وقال: حديث غريب وعن ابن عباس قال: الشفع صلاة الغداة، والوتر صلاة المغرب، وعن عبد الله بن الزبير قال: الشفع النفر الأول، والوتر النفر الأخير، وروي أن رجلاً سأله عن الشفع، والوتر، والليالي العشر فقال: أما الشفع والوتر فقول الله عزّ وجلّ: {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه} فهما الشفع والوتر، وأما الليالي العشر فالثمان، وعرفة والنحر، وقيل الشفع الأيام، والليالي؛ والوتر اليوم الذي لا ليلة معه، وهو يوم القيامة، وقيل الشفع درجات الجنة لأنها ثمان، والوتر دركات النار لأنها سبع، فكأنه أقسم بالجنة، والنار. وقيل الشفع أوصاف المخلوقين المتضادة، مثل العز، والذل، والقدرة، والعجز، والقوة، والضعف، والغنى، والفقر، والعلم، والجهل، والبصر، والعمى، والموت، والحياة، والوتر، صفات الله تعالى التي تفرد بها عزّ بلا ذل، وقدرة بلا عجز، وقوة بلا ضعف، وغنى بلا فقر، وعلم بلا جهل، وحياة بلا موت.

.تفسير الآيات (4- 8):

{وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8)}
{والليل إذا يسر} أي إذا سار وذهب، وقيل إذا جاء، وأقبل، وأراد به كل ليلة، وقيل هي ليلة المزدلفة، وهي ليلة النحر التي يسار فيها من عرفات إلى مزدلفة فعلى هذا يكون المعنى واليل الذي يسار فيه. {هل في ذلك} أي فيما ذكرت {قسم} مقنع ومكتفي في القسم فهو استفهام بمعنى التأكيد. {لذي حجر} أي لذي عقل سمي بذلك لأنه يحجر صاحبه عما لا يحل له، ولا ينبغي كما سمي عقلاً لأنه يعقل صاحبه عن القبائح، وسمي نهيه لأنه ينهى عما لا يحل، ولا ينبغي وأصل الحجر المنع، ولا يقال ذو حجر إلا لمن هو قاهر لنفسه ضابط لها عما لا يليق، كأنه حجر على نفسه ومنعها ما تريد، والمعنى إن من كان ذا لب، وعقل علم أن ما أقسم الله عزّ وجلّ به من هذه الأشياء فيه عجائب، ودلائل تدل على توحيده، وربوبيته. فهو حقيق بأن يقسم به لدلالته على خالقه. قيل جواب القسم قوله تعالى: {إن ربك لبالمرصاد} واعترض بين القسم وجوابه قوله تعالى: {ألم تر كيف فعل ربك بعاد}، وقيل جواب القسم محذوف وتقديره ورب هذه الأشياء ليعذبن الكافر يدل عليه قوله تعالى: {ألم تر كيف فعل ربك بعاد} إلى قوله: {فصب عليهم ربك سوط عذاب} وقوله عز وجل: {ألم تر كيف فعل ربك}؟ أي ألم تعلم وإنما أطلق لفظ الرؤية على العلم لأن أخبار عاد وثمود وفرعون كانت معلومة عندهم.
وقوله: {ألم تر} خطاب للنبي ولكنه عام لكل أحد. {كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد} المقصود من ذلك تخويف أهل مكة وكيف أهلكهم وهم كانوا أطول أعماراً، وأشد قوة، من هؤلاء فأما عاد فهو عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح، ومنهم من يجعل عاداً اسماً للقبيلة لقوله تعالى: {وإنه أهلك عاداً الأولى} وإرم هو جد عاد على ما ذكر في نسبه عاد. وقيل إن المتقدمين من قوم عاد كانوا يسمون بإرم اسم جدهم. وقيل إرم هم قبيلة من عاد، وكان فيهم الملك، وكانوا بمهرة اسم موضع باليمن وكان عاد أباهم فنسبوا إليه وهو إرم بن عاد بن شيم بن سام بن نوح؛ وقال الكلبي: إرم هو الذي يجتمع إليه نسب عاد وثمود أهل السواد، وأهل الجزيرة، وكان يقال عاد إرم وثمود إرم فأهلك عاد وثمود، وأبقى أهل السواد، وأهل الجزيرة؛ وقال سعيد بن المسيب: إرم ذات العماد دمشق وقيل الإسكندرية، وفيه ضعف لأن منازل عاد كانت من عمان إلى حضرموت، وهي بلاد الرمال والأحقاف. وقيل إن عاداً كانوا أهل عمد وخيام وماشية سيارة في الربيع فإذا هاج العود ويبس رجعوا إلى منازلهم، وكانوا أهل جنان وزروع ومنازلهم بوادي القرى، وهي التي قال الله تعالى: {التي لم يخلق مثلها في البلاد} وسموا ذات العماد لأنهم كانوا أهل عمد سيارة، وهو قول قتادة ومجاهد والكلبي، ورواية ابن عباس.
وقيل سموا ذات العماد لطول قامتهم يعني طولهم، مثل العماد في الشبه، قال مقاتل: كان طول أحدهم اثني عشر ذراعاً، وقوله: {التي لم يخلق مثلها في البلاد} يعني لم يخلق مثل تلك القبيلة في الطول، والقوة، وهم الذين قالوا {من أشد منا قوة} وقيل سموا ذات العماد لبناء بناه بعضهم، فشيد عمده ورفع بناءه، وقيل كان لعاد ابنان شداد وشديد فملكا بعده، وقهرا البلاد والعباد فمات شديد وخلص الملك لشداد فملك الدنيا ودانت له ملوكها وكان يحب قراءة الكتب القديمة فسمع بذكر الجنة وصفتها فدعته نفسه إلى بناء مثلها عتواً على الله وتجبراً؛ روى وهب بن منبه عن عبد الله بن قلابة أنه خرج في طلب إبل له شردت فبينما هو يسير في صحارى عدن إذ وقع على مدينة في تلك الفلوات عليها حصن وحول الحصن قصور كثيرة فلما دنا منها ظن أن فيها أحداً يسأله عن إبله فلم ير خارجاً ولا داخلاً فنزل عن دابته وعقلها، وسل سيفه ودخل من باب المدينة فإذا هو ببابين عظيمين وهما مرصعان بالياقوت الأحمر فلما رأى ذلك دهش، ففتح الباب ودخل، فإذا هو بمدينة لم ير أحد مثلها، وإذا فيها قصور في كل قصر منها غرف، وفوق الغرف غرف مبنية بالذهب، والفضة، وأحجار اللؤلؤ والياقوت؛ وإذا أبواب تلك القصور مثل مصاريع باب المدينة يقابل بعضها بعضاً وهي مفروشة كلها باللؤلؤ وبنادق المسك والزعفران، فلما عاين ذلك ولم ير أحداً هاله ذلك ثم نظر إلى الأزقة فإذا في تلك الأزقة أشجار مثمرة، وتحت تلك الأشجار أنهار مطردة يجري ماؤها في قنوات من فضة فقال الرجل في نفسه هذه الجنة وحمل معه من لؤلؤ ترابها ومن بنادق مسكها وزعفرانها، ورجع إلى اليمن وأظهر ما كان معه وحدّث بما رأى فبلغ ذلك معاوية، فأرسل إليه فقدم عليه فسأله عن ذلك فقص عليه ما رأى فأرسل معاوية إلى كعب الأحبار فلما أتاه قال له: يا أبا إسحاق هل في الدنيا مدينة من ذهب وفضة قال نعم هي إرم ذات العماد بناها شداد بن عاد قال: فحدثني حديثها فقال لما أراد شداد بن عاد عملها أمر عليها مائة قهرمان مع كل قهرمان ألف من الأعوان، وكتب إلى ملوك الأرض أن يمدوه بما في بلادهم من الجواهر فخرجت القهارمة يسيرون في الأرض ليجدوا أرضاً موافقة فوقفوا على صحراء نقية من التلال وإذا فيها عيون ماء ومروج فقالوا هذه الأرض التي أمر الملك أن نبني فيها فوضعوا أساسها من الجزع اليماني، وأقاموا في بنائها ثلاثمائة سنة، وكان عمر شداد تسعمائة سنة فلما أتوه وقد فرغوا منها قال: انطلقوا فاجعلوا حصناً يعني سوراً واجعلوا حوله ألف قصر وعند كل قصر ألف علم ليكون في كل قصر وزير من وزرائي ففعلوا وأمر الملك وزراءه وهم ألف وزير أن يتهيؤا للنقلة إلى إرم ذات العماد، وكان الملك وأهله في جهازهم عشر سنين ثم ساروا إليها فلما كانوا من المدينة على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليه وعلى من كان معه صيحة من السماء فأهلكتهم جميعاً، ولم يبق منهم أحد ثم قال كعب: وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك أحمر أشقر قصير على حاجبه خال، وعلى عنقه خال يخرج في طلب إبل له ثم التفت فأبصر عبد الله بن قلابة فقال: هذا والله ذلك الرجل.

.تفسير الآيات (9- 10):

{وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10)}
قوله عزّ وجلّ: {وثمود} أي وفعل بثمود مثل ما فعل بعاد {الذين جابوا} أي قطعوا {الصخر} أي الحجر {بالواد} يعني بوادي القرى وكانت ثمود أول من قطّع الصخر ونحته واتخذوا مساكن في الجبال وبيوتاً. {وفرعون ذي الأوتاد} سمي بذلك لكثرة جنوده وكثرة مضاربهم وخيامهم التي كانوا يضربونها، إذا نزلوا، وقيل معناه ذي الملك كما قيل في ظل ملك راسخ الأوتاد.
وقيل سمي بذلك لأنه كان يعذب الناس بالأوتاد وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن عباس أن فرعون إنما سمي ذا الأوتاد لأنه كانت عنده امرأة مؤمنة وهي امرأة خازنة حزقيل وكان مؤمناً كتم إيمانه مائة سنة وكانت امرأته ماشطة بنت فرعون فبينما هي ذات يوم تمشط رأس بنت فرعون إذ سقط المشط من يدها فقالت تعس من كفر بالله فقالت بنت فرعون وهل لك من إله غير أبي فقالت إلهي وإله أبيك وإله السموات والأرض واحد لا شريك له فقامت ودخلت على أبيها وهي تبكي فقال لها ما يبكيك قالت الماشطة امرأة خازنك تزعم أن إلهك وإلهنا وإله السموات والأرض واحد لا شريك له فأرسل إليها فسألها عن ذلك فقالت صدقت فقال لها: ويحك اكفري بإلهك وقري أني إلهك قالت لا أفعل فمدها بين أربعة أوتاد ثم أرسل عليها الحيات والعقارب وقال لها: اكفري بالله وإلا عذبتك بهذا العذاب شهرين فقالت لو عذبتني سبعين شهراً ما كفرت بالله وكان لها ابنتان فجاء فابنتها الكبرى فذبحها على قلبها ثم قال اكفري بالله وإلا ذبحت الصغرى على فيك وكانت رضيعاً فقالت لو ذبحت من في الأرض على فيّ ما كفرت بالله عزّ وجلّ فأتى بابنتها فلما اضطجعت على صدرها وأراد ذبحها جزعت المرأة فأطلق الله لسان ابنتها فتكلمت وهي من الأربعة الذين تكلموا في المهد صغاراً أطفالاً وقالت يا أماه لا تجزعي فإن الله قد بنى لك بيتاً في الجنة فاصبري فإنك تفضين إلى رحمة الله وكرامته فذبحت فلم تلبث الأم أن ماتت فأسكنها الله الجنة قال: وبعث في طلب زوجها حزقيل فلم يقدروا عليه فقيل لفرعون إنه قد رؤي في موضع كذا في جبل كذا فبعث رجلين في طلبه فانتهى إليه الرجلان، وهو يصلي وثلاثة صفوف من الوحش خلفه يصلون فلما رأوا ذلك انصرفوا فقال، حزقيل: اللّهم إنك تعلم أني كتمت إيماني مائة سنة ولم يظهر عليّ أحد فأيما هذين الرجلين كتم عليّ فاهده إلى دينك وأعطه من الدنيا سؤاله وأيما هذين الرجلين أظهر عليّ فعجل عقوبته في الدنيا واجعل مصيره في الآخرة إلى النار فانصرف الرجلان إلى فرعون فأما أحدهما فاعتبر وآمن وأما الآخر فأخبر فرعون بالقصة على رؤوس الملأ فقال له فرعون وهل معك غيرك قال نعم فلان فدعا به فقال أحق ما يقول هذا قال ما رأيت مما يقول شيئاً فأعطاه فرعون وأجزل وأما الآخر فقتله ثم صلبه قال: وكان فرعون قد تزوج امرأة من أجمل نساء بني إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم، فرأت ما صنع فرعون بالماشطة، فقالت وكيف يسعني أن أصبر على ما يأتي فرعون وأنا مسلمة وفرعون كافر؟ فبينما هي كذلك تؤامر نفسها إذ دخل عليها فرعون فجلس قريباً منها، فقالت يا فرعون أنت أشر الخلق وأخبثهم، عمدت إلى الماشطة فقتلتها قال فلعل بك الجنون الذي كان بها، قالت: ما بي جنون وإن إلهها وإلهك وإلهي وإله السموات والأرض واحد لا شريك له فبصق عليها وضربها، وأرسل إلى أبيها وأمها فدعاهما وقال لهما: إن الجنون الذي كان بالماشطة أصابها، قالت: أعوذ بالله من ذلك، إني أشهد أن ربي وربك ورب السموات والأرض واحد لا شريك له، فقال لها أبوها: يا آسية ألست من خير نساء العماليق، وزوجك إله العماليق قالت: أعوذ بالله من ذلك إن كان ما يقول حقاً فقولا له أي يتوجني تاجاً تكون الشمس أمامه والقمر خلفه والكواكب حوله.